17 - شركة فرناستي التجارية

بعد شهر في مكان ما من عاصمة مملكة زيوس


" هل هذا كل شيء؟".


كانت شخصية صغيرة نوعا ما جالسا على كرسي أكبر من جسده.


حرك خصلة من شعره الأبيض الفضي سقطت على عينه اليمنى الخضراء بينما يقلب الأوراق بين يديه.


" نعم سيدي".


أجاب صوت أنثوي رقيق وصغير بهدوء.


كانت تقف بجانب الكرسي، فتاة في حوالي الثالثة عشرة من عمرها، شعرها متابين بين الأسود والأبيض. لكنه بياض مختلف عن بياض شعر جول.


"هل من أخبار عن 'أوميغا'؟".


استجابة لسؤال ، حركت 'بيتا' يدها نحو أذنها تبعد خصلات شعرها حتى كتفيها.


أغلقت عينيها الذهبيتان كانت تركز.


"لقد وصل لحدود المملكة الغربية ، هو الآن يرتاح وسيحاول تجاوز الحدود!".


-" مملكة فاريون تملك علاقات دبلوماسية جيدة مع مملكة دي بورغو، أخبريه أن يتوخى الحذر وأن لا يثير مشاكل غير ضرورية!".


-" امرك!".


-" ...ماذا عن ألفا؟".


-" لقد وصل إلى مقاطعة الماركيز دوغلاف وبدأ مهمته!".


قالت بيتا مجددا وهي تضع يدها على أذنها.


' مهارة التخاطر، هاه؟ هاذا يجعلني حسودا قليلا'.


فكر جول وهو يتأمل بيتا بهدوء.


حاليا كان يبدو في شكله الحقيقي.


لقد مر شهر منذ تعرفه على الأخوة الثلاث. لقد أراهم هيأته الحقيقية آن ذاك، وبتأكيد قد تسبب في صدمتهم بشدة، وبخاصة الأخ الأكبر 'الفا'.


فعندما علم أن من يتبعه يصل لعمره بالكاد، جعل ثقته بنفسه تهتز.


في وقت لاحق اكتشف جول أن للأخت الوحيدة بينهم مهارة اعتبرها جول خارقة والتي تدعى بالتخاطر.


يمكنها إرسال واستقبال الأفكار من أي طرف طالما كان فهمها لشخصيته جيدا. والأكثر أن هذه المهارة لاتتقيد بالمسافة.


على خلاف مهارة جول المشابهة والتي تتفعل إلا إن كان المخاطب أمامه


" جيد! نفذي مهمتك التالية بعد الراحة!".


قال جول وهو يقف، تذبذبت أضواء المانا حوله بينما أخذ شكله يتغير.


لقد عاد لهيأته كالمغامر ذو الرتبة * أس *.


" هل ستذهب للنقابة؟".


سألت 'بيتا' عندما لاحظت فعلته.


" لا".


أجاب جول بهدوء بينما يرفع كفه في الهواء، ليظهر بعد ذلك سيف كبير ذو قبضة سوداء وشفرة فضية تشع ببرود أمام كفه.


شد قبضته وأمسك مقبض السيف وعلقه على ظهره بينما يتابع جملته.


"لنقل...لزيارة أحد أقربائي".


تحول تعبير جول للبرود وهو يظهر ابتسامته الهادئة والباردة في وقت واحد.


" سيدي أشعر أنك ستخدع أحدا ما!".


قالت بيتا بتعبير بارد خالي من المشاعر، فابتسم جول على كلامها وهو يتابع.


" قد يكون ذلك ممكنا".


ㅡㅡㅡ


في مكان آخر.


وتحديدا في غرفة كبيرة فخمة.


جلس رجل وسيم بدا في منتصف العشرينيات من عمره خلف مكتب يلائم فخامة الغرفة.


كان يربط شعره الأشقر الحريري الطويل حتى كتفه للخلف، ارتدى نظارة قراءة بينما يتابع بعينيه السماويتان مجموعة من الأوراق والملفات بين يديه.


وعلى العكس من الغرفة الأنيقة، كانت ملابسه شبه عادية ومتدرجة بين اللونين الأسود والأزرق.


" هاااه... علي إيجاد حل يتعلق بهاذا الماركيز، إن زاد جشعه قد يؤدي بي الأمر لألغاء العقد بيننا. رغم كونه أكبر مستثمر!".


تنهد الرجل بتعب بينما يزيل نظارته ويتكئ على كرسيه الكبير.


كان هذا الشاب والواضح ثراءه، رئيس لأشهر الشركات التجارية الموجودة في القارة العظمى وحتى وصل صيتها لقارة مملكة دي بورغو.


" لا يمكن لشركتي التخلف كثيرا!".


قال هذا وهو يمدد عنقه بتعب. رفع نفسه بينما يعيد ارتداء نظارته ويستعد لمتابعة عمله.


*طاب طاب طاب*.(لم أجد مؤثر صوتي أفضل)


حينها فقط، سمع صوت دق على الباب الكبير المقابل له.


" س-سيدي!..."


-" أدخل!".


رد بتعبير شبه مستغرب من الصوت المتعثر والمستعجل للرجل.


دخل بوجه متوتر بينما يمسك منديلا ويفرك به حانب وجهه، رجل كهل تقريبا مع وجه وجسد معتدل.


بدت الدهشة واضحة على وجه الشاب الأشقر.


لطالما عرف 'سيباستيان' أمامه بكونه من أمهر وأكفأ الناس تأدية لعمله، وهذا لسبب وحيد وهو سيطرته على مشاعره وهدوءه الذي يشبه هدوء البحيرة.


لكن من الواضح أن هذا الهدوء عكر صفوه رياح قوية.


أثار هذا فضول الشاب لدرجة جعلته يعبس بينما يسأل أقرب مساعديه -سيباستيان-.


" مالذي حدث؟!".


-" س-سيدي ... إنها حالة طارئة!".


ㅡㅡㅡ


< شركة 'فرناستي'.


تعد شركة فرناستي أقدم الشركات التجارية، حيث يرجع تاريخ انشائها إلى زمن 'الملك الأسطوري'.


بل وحتى قد ظهرت عدة مخطوطات وسجلات تذكر أن الملك الأسطوري بنفسه من أسس هذه الشركة.


ويرجع اسمها -فرناستي- إلى اسم عائلة أحد توابعه والذي قاد الشركة من بعده.


وهكذا توارثت عائلته ملكية هذه الشركة أبا عن جد.


وقد أوفت عائلة فرناستي الشركة حقها، فوصلت لحد السمعة المكتسبة من الملك الأسطوري وصارت أفضل الشركات التجارية على الإطلاق.


ولكن لكل بداية نهاية. وقد وصلت الشركة قبل عدة سنين حدودها ولم يتبق منها غير تراثها الكبير.


ومع انتقال أحقيتها للرئيس الحالي لها، قرر إعادة مجدها السابق وقد أظهر موهبته رغم أنه لم يبلغ الثامنة عشر حتى.


وفي غضون خمس سنوات عاد مجدها وصيتها وهي الآن بالفعل تتبارى مع أول شركة تجارية على مستوى القارتين.


بسبب ذلك أعتبر الرئيس الحالي 'وينستون فرناستي' أصغر نابغة في مجال التجارة عن عمر يصل للثالثة والعشرين.


والعديد من قادة الدول المختلفة يحاولون إغراءه بغية تطوير إقتصاديتها.


لكنه قد رفض قائلا أن هدفه وأمله الوحيد هو إعادة مجد شركته وعائلته التجارية بالفطرة. >


تذكر جول النبذة السريعة والمختصرة التي جمعتها له بيتا وقد حفظها بالفعل من النظرة الأولى.


' وينستون فرناستي... علي أن أجعل هذا الرجل في صفي!'.


ابتسم جول بهدوء بينما يفكر بهذا وهو يسترخي في كرسي كبير وفخم.


أمال ظهره عليه وهو يستقبل النظرات الحارة للرجل الشاب الذي يراقبه خلف مكتبه.


أزال وينستون نظارته بينما تحركت خصل شعره الأشقر المربوط أمام عينيه السماويتين.


حدق بنظرة هادئة لكنها حارة ومتوترة في وقت واحد.


أدار بصره ليمينه ليجري اتصالا بصريا مع مساعده الموثوق سيباستيان الواقف خلفه. أماء هذا الأخير رأسه بتعبير جاد.


أطلق وينستون تنهيدة خفيفة وهو يعيد نظره لجول الجالس بهدوء على كرسي في يمين المكتب مقابله.


" لقد شرفتنا زيارتك المفاجئة هذه حقا سيد كرو، المغامرون الأقوياء والشباب أمثالك نادرون!".


قال وينستون بابتسامة ونبرة دافئة وأنيقة بينما يخاطب جول.


أعاد جول ابتسامته بأخرى هادئة قبل أن يرد بنفس النبرة.


" لا، الشرف لي حقا أنني تمكنت من مقابلة الرئيس الشاب والنابغة لشركة فرناستي العريقة شخصيا".


-" شكرا على مديحك".


-" على الإطلاق!".


تشنجت الإبتسامة على وجه وينستون قليلا لدرجة لا يمكن ملاحظتها، لكنها لم تهرب من عيني جول.


" إذن اسمح لي أن أبارك لك على ترقيتك للرتبة *أس أس*"


-" أوه! لقد علمت بالأمر بالفعل، ذلك مدهش حقا كونه قد حدث هذا الصباح فقط، ولكن الأخبار قد وصلتك بالفعل!".


-" بالتأكيد! بعد كل شيء، مغامروا الرتبة * أس * ليسوا أشخاصا قد تقابلهم كل يوم. فما بالك بالدرجة *أس أس*؟... إنه فعلا لشرف كبير لهذا البلد الصغير أن يحض بواحد منهم".


-" هوووه!...".


-" لا شك أنك لم تعلم بهذا...لكن حاليا يتواجد عشرة فقط منهم، وأنت تعتبر الحادي عشر. لذا وجودك في شركتي أكبر شرف".


إستمر الإثنان بالحديث ذهابا وإيابا بهذه النبرة والأحاديث المشرفة.


" إنك تتحدث بلباقة تلائم النبلاء حقا سيد كرو. هل يعقل أن لك أي روابط معهم؟".


تغيرت الابتسامة الهادئة على وجه لباردة قليلا بينما ينحني للأمام.


لم يتغير تعبير جول وهو يقابل ذلك الولو قليلا، فساد الصمت بينما لم يتحدث أحد.


حينها فقط انفتح فم جول بنفس التعبير البارد والماكر.


" بإمكانك اكتشاف ذلك لاحقا، لن يكون بتلك الصعوبة على التجار باعتبارهم بنك المعلومات".


تغير تعبير وينستون للبرود واختفت ابتسامته بعد تغير نبرة جول إلى اللا رسمية.


" على أي حال، أظنك على علم بسبب رغبتي في مقابلتك من السيد سيباستيان بالفعل".


فجأة تخطى جول المقدمات ودخل مباشرة للموضوع الرئيسي.


عادت الابتسامة على وجه وينستون. لكنها لم تكن ابتسامة عمل كالسابق، بل صارت ماكرة بالمثل.


" بالتأكيد، بإمكاني معرفة أن السيد كرو ليس من هواة الضرب حول الأدغال ومباشر تماما".


-" ألا يعجبك ذلك؟".


-" على العكس! كلما كان العميل مباشرا، كان التعامل أسهل وأسرع".


-" جيد...لذا هذه طلباتي!".


رد جول بينما يدخل يده في جيب سترته الداخلي ويخرج ملفا ورقيا.


تقدم سيباستيان بعد إماءة من وينستون وأخذه من يد جول بينما يتابع.


" بالنسبة لجانبك؟".


-" شروطنا واضحة يا سيد كرو، وهي كقاعدة نقابة المغامرين. والشركات التجارية تكون جزءا من نقابة التجار المحايدة".


ما قاله وينستون حول شروطهم في العمل كان واضحا حقا.


تعتبر السرية والتكتم أهم عنصر، حيث يمنع منعا باتا تسريب معلومات عن الوسيط في مختلف المعاملات، حيث تعتبر الشركات التجارية وسيطا.


مع علمه بهذه القاعدة أومأ جول بخفة ليستمر بعدها وينستون بكلامه.


" بالنسبة للثمن...رجاءا أعطنا القيمة!".


مع ابتسامة وينستون الماكرة، ابتسم جول بنفس الطريقة قبل أن تظهر أمامه غيمة دخان سوداء.


' بعد فضائي!'.


تفاجأ كل من سيباستيان ووينستون بذلك قبل أن يدركا ماهية الدخان الأسود حقا عندما دخلت ذراع جول حتى كوعه داخلها رغم صغر هذه الغيمة السوداء.


إستمر ذلك لثانية عندما باشر بالتحدث بتعبير هادئ بينما أغلق عينيه قليلا.


" عندما تولى أول فرناستي الشركة بعد الملك الأسطوري وأظهر كفاءته العالية، أهداه الملك كنزا يمكن وصفه بالقومي".


انفتحت عينا وينستون عن آخرهما وهو يسمع كلام جول.


" يقال أن الكنز كان مرآة غالية تم نحتها من أغلى المعادن وأثمن المجوهرات''.


-" أ-أنت...!".


لايزال تعبير وينستون مجمدا بصدمة من كلام جول، بينما تفاجأ مساعده من صدمة سيده وينستون من الكلام الغريب لجول.


" بالطبع... كنز كهذا أثار عيون الناس والأعداء بالغيرة...لذا قامت عليه المعارك حتى ضاع ولم يتم العثور عليه مجددا من زمن طويل".


صر وينستون على أسنانه بغضب بينما يسمع كلام جول.


حكاية كنز عائلة فرناستي لم تكن سرا، لكنها كانت غير معروفة بشكل كبير.


جول يتذكر ذلك 'الكنز'، لكن ما حصل له...علمه من المعلومات التي جمعتها بيتا، لذا كان عليه استغلال ذلك لنفسه بالتأكيد.


" أنت-!".


-" لكن...!".


أراد وينستون التعبير عن غضبه حتى قاطعه جول، فتح جول عينيه بابتسامته السابقة.


كانت نظرته حادة كالسيف وهو يلاحظ التغيرات الحاصلة على تعابير وينستون. نتيجة لذلك أطبق هذا الأخير فمه منتظرا من جول المتابعة.


" لم يقل أحد أن هذا الكنز كان الوحيد...".


قال جول ويده تخرج من الثقب المظلم ببطئ. حتى توضح الشكل في يده.


فتحت أعين كل من وينستون ومساعده على مصراعيها.


*طقطقة*.


أصدر الجسم صوت طقطقة على الطاولة أمام وينستون حينما وضعه جول.


" ويصدف...أن لدي كنزا مشابها وأكثر قيمة حتى".


استمر جول في حديثه بينما يلوح بيده للجسم الذي وضعه على الطاولة.


الشكل الذي بدى كمرآة ذات شكل بيضاوي، مع طول يصل لثلاثين سنتيمترا، وإطار فضي يلمع كالماس بزخرفات عديدة وفخمة.


حتى زجاج المرآة الذي بدى مسودا قليلا كان يلمع بنقاء.


وحتى من دون معرفة القيمة الحقيقية لها؛ إذا وضعت في مزاد، ستلقى رواجا كبيرا بين النبلاء، حتى مئة قطعة من الذهب ليست مستحيلة.


فتن وينستون تماما بالكنز الذي وصفه جول، حتى مساعده استمر بالإيماء بينما يحدق بها ويفرك ذقنه.


استمر افتتانهما حتى أصدر وينستون صوت ابتلاع ريقه.


" * بلع*...أتسمح لي بفحصها؟".


-" بالطبع! لما لا؟".


اتسعت ابتسامة جول الماكرة وهو يراقب تحركات وينستون الحذرة بينما يمسك المرآة ويقلبها بحذر بين يديه.


هو بالتأكيد يستحق لقبه كرئيس أكبر شركة تجارية وسليل لميراث الملك الأسطوري ألا وهو الشركة ولقبه نفسه.


لقد تمكن من تمالك نفسه سريعا وتحدث بسلاسة ولو كان متوترا. لو كان أي تاجر آخر لكان يرتعش دون حسيب ولا رقيب لولم ينهر من الصدمة والتوتر.


' ربما لأنه سليل تابعي قديما؟'.


مع تفكير جول، سمع صوتا هادئا.


" ياله من معدن غريب!".


تمتم سباستيان بتعبير مذهول ينما يتفحص إطار المرآة في يد سيده.


في تلك اللحظة تحدث جول.


" في الواقع...هذا المعدن مزيج ناتج من صهر معدن الميثريل والماس معا".


زادت صدمة الإثنان بشكل كبير مجددا. وتحدث سيباستيان بتعبير أكثر انذهالا.


" أ-أوه!...أنت تقصد...".


-" صحيح! فإضافة للقيمة الكبيرة له فلا يمكن تزويره ولا تغيير بنيته بأي وسيلة، ويمكن القول عمليا بأنه غير قابل للتلف على مر السنين وتحت أي ضرف".


-"...ذلك مذهل!".


ابتسم جول على التعبير المرتسم على وجهيهما عندما علما بالقيبمة الفنية والنقدية في أيديهما.


بعد كل شيء، في عالم التجارة، يجب مراعاة إظهار الجانب الإيجابي للمنتج في المعاملات، وتجنب أي سلبيات. ولو كانت كذبة. رغم أن قيمة المرآة حقيقية.(نعم يا ناس! نحن نعيش في كذبة!!!!!).


" لذا فالإطار وحده يعتبر كنزا قيما بالفعل!".


-" حسنا، هذا ما يتبادر للذهن في المرة الأولى".


التفت وينستون لجول بتعبير مستغرب قبل أن يتساءل.


" مذا تقصد؟".


-" بالنسبة لكنز عائلة فرناستي الضائع، أنت تعلم في الحقيقة أين تكمن قيمته، صحيح؟".


-" ح-حسنا...نوعا ما!".


زاد استغراب وينستون من السؤال الذي غير الموضوع فجأة. وتابع جول دون أن يبالي به.


" يقال أنه كنز يستطيع تمييز الكنوز الحقيقية من بين العديد من التحف المزورة".


-" صحيح!".


-" الأمر مشابه بالنسبة لهذه المرآة، لكن بدلا من تحديد الكنوز، فيتيح لك تقييم الأغراض وبالتالي استخدامها بما يحلو لك".


-" انت تعني...!".


-" صحيح! إنها أداة تقييم".


مباشرة كما قال جول آخر جملة ارتعشت يد وينستون حتى كادت المرآة تقع من يديه. لحسن الحظ أمسكها سيباستيان بيدين مرتعشتين كذلك قبل أن تصطدم بالأرض. رغم أنها لن تنكسر في الواقع.


" لاحظ زجاج المرآة! إنه قاتم بخلاف زجاج المرايا العادي، وفي الواقع تعذر تماما معرفة نوع مكوناته. وقد جربت ذلك بنفسي بمختلف الطرق، ولكن هذه المرآة لن تكسر مهما كانت القوة أوالحرارة أو المادة المطبقة عليها".


مع كل كلمة قالها جول إلا وزاد إرتعاش الثنائي وصدمتهما.


ذلك مفهوم بالطبع، حيث يعتبر هذا النوع من الأدوات كنزا حقيقيا خاصة للتجار بما أنهم وسيط معاملات للسلع، ورغم حنكتهم فغالبا ما يتم خداعهم بمواد مزورة على أنها تحف. نتيجة لذلك فإن توضيف أفراد بمهارات تقييم كان شائعا بمبالغ عالية، ولكن من سيضمن أن ما يقوله حقيقة.


لكن أداة تقييم، والمستحيل وجودها نظريا، لا يمكن أن تكذب صحيح؟


" إ-إذن... كيف...تعمل؟ أعني هل يجب علي ضخ المانا فيها كالكنز الضائع؟".


-" هذا هو المهم الآن!".


مع تغير نبرة جول للخطيرة عند جوابه على السؤال المتوتر لوينستون. تغير تعبير هذا الأخير كذلك بينما يركز على كل كلمة لنظيره.


-" لقد بحثت في العديد من المخطوطات والكتب ولكن فيما يتعلق بهذه المرآة لم يذكر أبدا عمرها حقا، أما عن كيفية استخدامها فبمجرد تقطير قطرة من دمك ستصير مالكها وتلقائيا ستعرف الطريقة".


صار تعبير وينستون غريبا بينما عاد للتحديق في المرآة على الطاولة.


ربما قد يبدو كنزا رائعا إن كان يمكن امتلاكه، لكنه كتاجر خبير يعلم بالطبع أن القطع القديمة التي تحتاج لعقد الدم يمكنها أن تكون ملعونة أو تتسبب بموت مالكها.


عند وصوله لهذه النقطة عبس بشدة، بالنسبة لتاجر لقد كان إغراء هذه القطعة كبيرا. لكن ما فائدة هذا الإغراء إن كان سيلعن، وأكثر إن كان سيموت.


أرتعش فمه عندما كان سيتحدث ويرفض هذه القطعة. لكن جول سبقه وتحدث أولا.


" أه! إن كنت قلقا بشأن تلقيك للعن حتى الموت فلا داعي".


-" هاه؟!".


صدم وينستون مجددا.


' هل قرأ أفكاري؟'.


لقد تحدث جول بهدوء وطمأنه كما لو عرف مخاوفه.


لم يبالي جول بذلك حيث استمر.


" لقد فحصتها بنفسي وتأكدت أنها آمنة".


-" بنفسك؟".


-" صحيح، بمهارة التقييم!".


إرتفعت صدمة وينستون لمرة أخرى. لكنه استعاد هدوءه وفحص تعابير جول التي ظلت ثابتة دون تغيير، جعلت مخاوفه تهدأ كما شعر بصدقه.


تنهد بخفة قبل أن يتحدث بوجه خطير.


" إذن سيد كرو، ما هي أهدافك مقابل هذا الكنز؟ لا يمكن أن تكون الوثائق التي قدمتها سابقا كل شيء صحيح؟".


دخل وينستون لصلب الموضوع بعد كل هذه الإفتتاحيات


ظلت نظرة اللا مبالاة على وجه جول قبل أن يسأل بدلا من الرد.


" دعني أسألك شيئا أولا، كتاجر يجب عليك أن تكون دائم الجشع صحيح؟".


فاجأ السؤال الغريب وينستون قليلا لكنه أجاب بوضوح.


" بالتأكيد!".


-" وعلى جشعك أن يكون ظاهرا، ولكنه لا يتجاوز حدا معينا؟".


-" نعم".


-" وبالتأكيد على التاجر أن يسعى لكسب المزيد من الفوائد والأرباح".


-" نعم".


رغم أن أسئلة جول كانت غريبة كما اعتبرها وينستون، إلا أنه أجاب وبكل وضوح متفاجئا من معرفة جول بذلك.


لقد كانت شبه قواعد وأساسيات لكل تاجر من عائلة فرناستي


" لنقم عقدا إذن!".


-" ع-عقد؟".


ابتسم جول بخفة على رد فعل وينستون قبل أن يحول تعبيره للرسمي ويتحدث بنوع من الزخم والفخر.


" صحيح، عقد على المدى الطويل، ودعني أقدم لك هذا العرض الذي لن تندم على قبوله، سيد وينستون فرناستي...".


وقف جول بعدما ردد إسم وينستون الكامل بهدوء.


" ستقدم المعلومات والخدمات لزبونك الخاص الجديد في شركتك، مقابل الكنوز والقطع التي أجدها في الزنزانات والأطلال كمغامر من الرتبة * أس أس*. بالطبع سأقدم لك المزيد من العروض الخاصة والمربحة كفائدة لكلينا، بالإضافة...سأروج لشركتك خاصة ".


صدم مجددا!


ربما إن عد وينستون حجم صدمته طول حياته، لن ترقى لضفر حجم صدمته لليوم؛ أو بالأحرى لهذه الساعة.


لقد أدرك أنه في ضرف نصف ساعة فقط والتي التقى فيها بهذا المغامر ذو الرتبة * أس أس *، والصدمة لاتفارقه، لقد فقد سلوكه الهادئ والمسيطر عادة.


إذا كانت نصف ساعة واحدة فقط جعلته يبدو هكذا أمام مغامر، فماذا لو قبل عرضه وصار يتعامل معه باستمرار. ربما قد يموت بنوبة قلبية.


'لكن...'.


ابتسم وينستون. إنه يحب هذا النوع من الصدمة المربحة، اذا كان سيموت، فهو يفضل الموت من صدمة حجم الأرباح بدلا من الخسارة.


' هذا المغامر هو الصفقة الحقيقية!'.


مع هذا الإدراك، رفع وينستون رأسه بابتسامة ماكرة.


جفل. لقد قابله جول بذات الإبتسامة، لقد توقع قراره.


" مذهل!".


قال وينستون هذه الكلمة من أعماقه بينما يقف كذلك.


" من دون شك...أنت هو الصفقة الحقيقية هنا!".


قال أفكاره بتعبير هادئ لكنه لا يخفي حماسته.


رفع يده نحو جول لمصافحته.


" سأقبل عرضك هذا بكل سرور، أتمنى أن ننسجم ونحقق المزيد من الأرباح".


-" جشع التاجر بلا حدود حقا. ممتاز! إتفقنا إذن!".


رد جول على مصافحة وينستون بتعبير مشابه.


" أكيد! سيباستيان، أحضر العقد السحري! أنت تعرفه صحيح؟".


-" طبعا!".


'بما أنني من ابتكرته'.


فكر جول بينما يسترجع صورا من ذاكرته من حياته الأولى حيث ابتكر هذا العقد بالصدفة.


" دعنا نوثق صفقة العمر في عقد لا يتلف! لا بأس صحيح؟".


-" جيد".


بعدما أحضر سياباستيان قطعة ورق مزخرفة ودونا عليها شروط وبنود الإتفاق، رفع كل من جول ووينستون إصبع السبابة فوق الورقة حتى ظهرت دائرة سحرية صغيرة بقطر عشر سنتيميترات تشع بلون أبيض، مع إصبعيهما كمركز.


بعد عدة ثواني اختفت الورقة في شعاعين من الضوء وانبثقت في يدي الإثنين، فظهرت دائرة سحرية مشابهة لسابقتها على ظهر يديهما واختفت كذلك كما لو كانت مجرد ضوء عابر.


" سيد كر-".


-" بالمناسبة!".


أراد وينستون التحدث حين قطعه جول في منتصف حديثه ووقف من جديد.


تفاجأ وينستون ومساعده من فعل جول. ابتعد هذا الأخير عن مقعده وسار نحو منتصف الغرفة بينما يتحدث.


" بما أننا الآن شريكان في صفقة مهمة كهذه، فمن واجبك أن تعرف هويتي لأجل الثقة المتابدلة بيننا".


كان حديث جول صادما للمرة الخامسة أو السادسة لوينستون، هذا إن لم تكن أكثر.


' هويته؟'.


" أتقصد أن هويتك هذه مزورة".


-" ليس بالتحديد، إنها مخفية لأسباب خاصة".


بمجرد أن قال ذلك، أضاءت عدة جزيئات حول جول وبدت كما لو أنها تخرج من جسده.


كانت ظاهرة غريبة لنظيريه اللذين ركزا بصدمة على جول.


تحولت هيئته من الشاب المراهق ذو الشعر الأسود والملابس السوداء، لفتى بشعر أبيض فضي وملابس رسمية فخمة بيضاء مع تدريجات سوداء ورداء أسود على كتفه الأيمن. فتى الذي بدى عمره في الخامسة عشر إنحنى بطريقة رسمية أنيقة مع يده اليمنى على صدره.


" أسمي جوليان فون فيلدمينت، تشرفت بالعمل معك، سيد وينستون فرناستي".


رفع جول وجهه بتعبير هادئ، فقابلت عينه اليمنى الخضراء عيني وينستون، في حين كانت الأخرى مغطاة بشعره.


مع صوت نفخ صادر عن الكرسي، سقط وينستون على كرسيه مع نظرة كفر تجاه جول.


" ن-نبيل؟!".


تمتم بتوتر وهو يشير ناحية جول، قابله الآخر بابتسامة هادئة.


' لا ليست هذه القضية، فتى صغير مثله بهذه الحنكة والقوة؟ لا! ربما شكله الشاب هو الحقيقي؟'.


لم يبالي جول بمدى تعقيد أفكار نظيره حين تحدث.


" رجاءا، لا داعي للرسميات، أفضل التعامل بطريقة مباشرة. جوليان يكفي".


-" ل-لا...ليس...".


أراد وينستون التعبير عن أفكاره أكثر، لكنه لم يفلح.


حينها عادت الأضواء حول جول مجددا وعاد لهيئته السابقة.


" أعتذر حقا سيد وينستون، أردت الحديث معك أكثر، لكنني مشغول قليلا. سأعذر نفسي إذن، بالتوفيق في شراكتنا!".


إستدار جول وغادر دون أن يمنح الفرصة لنظيره بالرد في الوقت المناسب.


لكن لم يكن باليد حيلة وهو يشاهد الباب الكبير يغلق ببطئ خلفه. لكن قبل أن يغلق تماما، توقف وعاد للفتح مع ظهور وجه جول الهادئ مجددا.


" بالمناسبة، لقد كشفت هويتي للسيد وينستون للثقة، آمل أن لا يخون هذه الثقة، فأنا لست مسؤولا عن النتائج حينها".


-" ب-بالتأكيد، لا تقلق رجاءا، ضمان راحة الزبون أهم شيء للتاجر".


-" آمل ذلك!، إعذرني مجددا. أتمنى أن نجتمع في فرصة أفضل".


غادر جول تماما هذه المرة.


حينها زالت الإبتسامة المصطنعة على وجه وينستون الذي تحول للسواد والكآبة.


" س-سيدي! أليس هذا تهديدا-؟".


أراد سيباستيان تحذير سيده من كلام جول، لكن الآخر رفع يده وأوقفه.


هو ليس بهذه الحماقة، إنه يدرك تماما ما عناه جول بكلامه في الأخير.


' إحفظ سر هويتي وإلا...'.


رفع يده وواجه ظهر كفه حيث اختفت الدائرة السحرية السابقة.


" جوليان فون فيلدمينت...".


تمتم وينستون بهدوء وتنهيدة خفيفة.


بدى اسم نبيل، لكنه لايذكر أي نبيل بهذا الاسم من قبل.


'فيلدمينت! لا أذكر وجود اسم عائلة كهذا في المملكة من قبل... هل هو نبيل ساقط؟... لا يمكن! سيفقد اسم عائلته في تلك الحالة. ولقد بدى ثريا وأنيقا من ملابسه، وتصرفاته كلها تنم عن النبل...من يكون حقا؟'.


كان مركزا تماما في أفكاره ولم يلاحظ حتى تحدث سيباستيان بتعبير خطير.


" سيدي، في الواقع...أضنني رأيت هذا الاسم في وثيقة ما من قبل".


وقف وينستون بصدمة وهزه من كتفه بقوة بينما يحثه.


" مذا؟ هل أنت متأكد؟ أين تماما؟!".


-" أ-أه، لقد كانت من سنوات طويلة، ولكني تذكرت عندما ذكر اسم عائلته، وقد ورد في وثائق وصلتنا من مملكة القارة الغربية؛ دي بورغو!".


-" سنوات طويلة؟".


-" أجل أذكر تحديدا أنها كانت قبل ثماني أو تسع سنوات عن حادث كبير هز مملكة دي بورغو. وقد ظهر إسم 'فيلدمينت ' في وثائق جديدة تتعلق بالمملكة وصلتنا قبل أيام".


شرح سيباستيان بوضوح عن كل ما يذكره كما قال.


جلس وينستون مجددا بتيار تفكير جديد.


' قبل تسع سنوات...والآن. وقد ظهر فرد منهم أمامي مجددا تزامنا مع ما يحدث هناك؟'.


بعد خط تفكير عميق سأل مساعده من جديد.


" هل إسم جوليان فون فيلدمينت هو ما ظهر في الوثائق قبل سنوات؟".


-" لست متأكدا تماما سيدي".


عاد لوضعه مجددا. قبل أن يعطي الأمر.


.


- "... كما تريد".


رغم أنه كان طلبا.


"جوليان فون فيلدمينت ... أتوق لمعرفة من تكون حقا!".


هذه الإبتسامة الماكرة ، تمتم إنتاجها لنفسه وتذكر شكل جول كفتى نبيل.


ㅡ ㅡ ㅡ ㅡ ㅡ ㄱㅅㅇ ㅡ ㅡ ㅡ ㅡ ㅡ


انتهى الفصل أتمنى أن تستمتعوا.


ربما سيكون القادم ، لذا تهيؤا وأشعلوها تعليقات.


(رغم أن الفصل السابق ترك دون تعليقات).


في أمان الله.

شكرا كثيرا للداعم الكبير وصاحب الحساب * أحب القراءة *.

(والمعلق الوحيد على جميع فصولي).

شكرا مجددا

2020/10/09 · 285 مشاهدة · 3530 كلمة
Abir Bell
نادي الروايات - 2024